الرئيسية » » الفقر المدقع \ كمال تاجا

الفقر المدقع \ كمال تاجا

Written By هشام الصباحي on الأحد، 24 أغسطس 2014 | 9:17 ص

الفقر المدقع \ كمال تاجا

أنه من صنف
هذا الفقر المدقع
الذي يكنس الشوارع
من غبار الزفت
ووحل الأرصفة

*

وهو العاهة الاجتماعية
التي لا  شفاء منها
في مجتمعات متحضرة تعسفاً
وإلى حيث لا حياة لمن تنادي

*

وهو المتمتع بالمتانة الحصريه
لذلك الطراز القديم . المقموع
بالإذلال الذاتي

*

ومن هذا النوع المستهلك
الكثير الاهمال
من الضآلة الحضارية
لانتحال صفة مسكين

*

وصاحب تكشيرة .. الجوع العنيفة
واستكانة الشفتين المنكمشتين
من عضة الاضطهاد
وتلوي الاستكانة

*

وهو الذي يزدرد
كسرة الخبز الجافة
وجرعة الماء الضئيلة
التي يلعقها بلسانه
نقطة تلو النقطة
والتي لا تروي غليل معتل

*

وهو الذي يلتقط رزقه
من بين وحل الفتات
بمنقار طائر حزين

*

وهو سارق هذه الأنفاس
اللاهثة بالفرار
والتي استحصل عليه عنوة
غصباً عن أنوفكم

*

و هو الإنسان البسيط الجائع
الباحث عن بقايا الطعام
في حاويات القمامة ...الناتجة
عن فرط شهيتكم
من فضلات عفت عنها  نفوسكم
تطعم نصف سكان العالم جميعاً

***

وهو الذي يرتدي ملابسكم الممزقة
و التي بالكاد يقدر على أن يرفو .. ثقوبها
والعاجز عن ترقيعها
فتبان ألوان بشرته الصفراء المحروقة
من مزق وفتحات خلفتها
وهدة اضطجع .. تكم
على بال مستريح

***

وهو عابر المدى الرحب
بالشحاطة  المهترئة المهلهلة
والتي تسمح لأصابع قدميه
لأن تهرب منها
لتمسح زفت الشوارع
وتكنس ملاط الأرصفة
و بأن  تلتقط كسرة الأشواك الجافة
برؤوس أصابعها المكوية من اللسع
وهو يتلوى من غيظ متاعب الطريق
و تنكمش وهي  تلتط بنثرات
الزجاج المحطمة
كوخز لدغات المباغتة

*

ويامن يراه يحبو بتقرحات
تنزف من خطواته المحبطة
المتخبطة جيئة وذهاباً بالمكان
وهو منهمك على الدوام
على جر أحمال الطريق

***

صاحب النظرة المنخفضة
المحنية الرأس
من تحت مستوى الذقن

***

وهو أيضاً خائن البصر
على رفة العين المختلسة
لعلو قيمتكم الفارع الطول
خوفاً من انخطاف النظر
على ثرائكم المدهش

***

والذي يحمل طعنته الخاصة
في صميم القلب
وعلى شكل تلوي
وفي كل موضع مغص باطني
ويعاني من ظلم المجتمع المدني

*

ويتأبط جراحة النازفة
من عاهات
سببتها قسوة قلوبكم
على استهلاكه حتى آخر نفس
رمق

*

أشلاؤه المحطمة على الأرصفة
وتحت مستوى الأنظار
والتي تتأففون عن رؤيتها
وتغضون النظر عنها
ممعنين .. بسوء معاملته

*

وهو دون أن يدري
يكشف عن عاهاته علناً
يسدل يداه المحطمة
من ثقل الرفش
وجور المنجل

*

ويحني كتف مهدودة
من  رعونة المطرقة
وصدمة الفأس

*

ويعاني من شدة البأس
ومن وجع الرأس

***

أو فم معوج
عن الاعتراف بالحقيقة
أثر صفعة شديدة

***

أو كاهل محني
محدودب الإرادة
من شدة السلب المعنوي

*

أو عين مكسورة
لا تعلو على الحاجب

*

وهو أيضاً المسفوك دمه
في مواجهة الجشع البشري
وهو المعد للاستهلاك الإنساني
معروض للبيع علانية
وبسعر مجاني .. لا يجارى

***

أبن شوارع متشعبة
وجار أزقة مسدودة
وحارات مرصوصة رص
ساكنيها يقضون جل أوقاتهم
على أرائك محطمة
في صالون الطريق العام
المشرع ضيوفه
على سالكي السبل الضيقة
نحو تكدس مدن الصفيح

*

و البعض منهم ساكن على السطوح
مع عش يمامة
وحجر صرصور أليف
متعايش مع جرذ وليف
والفيء كثير

*

حيث الأطفال يلعبون بدمى محطمة
في برك وحل
تقوم برسم لوحات ترفيهية
غاية بتلطيخ القذارة
على سوء أحوالهم المعاشيه

*

ويتبارزون بسيوف عصي خشبية
تنفيساً عن النكد
العصي
على دمع عيونهم

***

ويقضون جل أوقات حياتهم
بين طنين ذباب
فوق المزابل
ومع جيوش صراصير
تحت الموائد
و بصحبة جحافل جرذان
بين الخرائب
ناهيك عن لسعة البعوض
والذي يكويهم
ومن كل جانب

*

ولا تحسبن أنهم سعداء
في قضاء. عمر . جل أوقاتهم
بهذه الروضة الاستثنائية
مع وسائل هباب استثنائية
تثير هياج عجاج
مع دثار من غبار تشجيعية
مما تلف الفرسان
برداءة الطقس
وإلى حيث يساعد العفار
اللاعبين على الفرار
ليربحوا معارك وهمية
على كسب (معيشة)  شعبية

*

و يرشقون بعضهم بالحجارة
و بقطع  حاجيات محطمة لملموها
عن حاويات الزبالة
تصلح لتحسين أوضاع المقاتلة

*

و ينعمون في عيش حياة رغيدة
بين أشلاء الحطام
وحول الخرائب
وفوق مقالب القمامة

***

هذا الرجل المسحوق التافه
شفتاه المنكمشة
لا تفضي إلى بسمة
ولا لعابه يسيل
على مذاق لهفة
سقطت من على صكه أسنان ملتوية

*

ويعاني من طعنة
تكشيرة عنيفة
هتكت أوداجه
و قلبت شفة مزاجه
من عيش حياة .. رغد
شر مستطير
ويتمرغ في درك قذارة
الانحطاط الدونية
وإلى ما لا نهاية له
من ضآلة استخفاف

***

يا من تراه يتابع
تشرد فراخ أحلامه
ونمو أجنحة صيصانه
كعورات مكشوفة للعيان الاحتفالي
على الطريق العام

*

أو وهو ينهمك بالسعي الحثيث
في تسيلك بلاليع المجارير
ملطخين بقذارة الإهانة

*

وأطفالهم يستجدون الناس
عن فلس بسيط
و عن كسرة خبز من رغيف جاف
وهم يبحثون بين نبش مكب
القذارة البشرية
عن لمسة حنان
تربت على كتفه

*

ويكشر في كل توجيه
أصبع  إدانة
إلى انحطاط قدره
يبحث عن نظرة شفقة
ترد له روع ذل الاستكانة

*

والفقير وحده هو الذي سيدفع الثمن
ويقوم بتسديد قروض .. الدين العام
للمجتمع المدني
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.