الرئيسية » » عين في الشمس | كمال مصطفى جاد

عين في الشمس | كمال مصطفى جاد

Written By Unknown on السبت، 20 يونيو 2015 | 7:22 م

""عين في الشمس ""
يصحو الصغير من نومه متضجرا في غبشة الفجر حين يقشر الظلام فيتبدد
نتفا باهتة . ينضم الي اسراب الصغار المدفوعة دفعا لحقول القطن في اطراف كفرشكر .وما ان يمسك الخط وينتهي الدعاء المعتاد الذي يكرره الخولي ، والصغار خلفه طاردين ماتبقي في عيونهم من نوم سخي حتي تطل الشمس بقرونها المدببة ، تبدأ حانية دافئة ثم ترسل قيظها، فتنغرس أنياب اللهب في جسد الصغير الغض الذي لم يتعد العاشرة . تختطفه الأم ونتتزعه من سنوات براءته الغضة ، وتسلمه (لمحمد غندورة) الخولي المكلف بمقاومة الدودة . عندما يسألها لماذا تمنعه من اللعب مع اقرانه؟!!، تقول بأن عليه أن يسد التكليف عن العائلة . يتعجب من استنثاء قرينه وقريبه (سيد الشبيني)، فتقول انهم اغنياء وأن احد اقربائه قد سد عنه . كم كانت فجيعته ودهشته حين يكتشف انه هو نفسه الصبي الذي يسد عن اقربائه الاغنياء وانه كبش العائلة .!!!
من الساعة السابعة صباحا الي الساعة السابعة مساء يوميا مقابل قروش معدودة .يتخلل هذه المحرقة ساعتان للغداء والراحة . كم من مرة يتمني ان تتمرد الشمس فلاتشرق ، ويطول الليل الرحيم . كم كان شقاؤه حين تنغرز الشمس في عينيه كمسلة خيط حين يستلم خط القطن المغسول بالندي ، ويبدأ في تقليب عيدانه يمينا ويسارا بحثا عن اللطع فيقطفها ويدسها في عبه، وحين يهمل قليلا ، يعلوه الخولي بالخيرزان وسط ضحك الصغار حين يكتشف( الفرار) لطعة ورائه . حينها يتوسل الشمس ان تسرع خطوها فينعدم الظل ،تدق الواحدة فنغرق انفسنا في الظل الوريف تحت اشجار الكافوروالجازورين . ساكبين ماء الطلمبة البارد فوق اجسادنا المشحونة بالصهد والهجير .
تسرق منه الطفولة ويودعهابانكسار في عينه اليسري ومصابا بالاستجماتزم
يكبر الصغير ويدخل أطوارا جديدة . تتلقفه المنافي واﻷماكن البعيدة الموغلة في القسوة والغلظة
المدججة بالتجهم والقيظ . يقود السيارة من (ثمريت) الي( ذهبون ).تنغرز الشمس في بؤبؤيه فيتلوي مثل دودة في مقعده كي يتفادي الاشعة المشرعة اليه كخنجر عماني . يحتمي بالشاحنات المتجهة الي (مرمول) أحيانا، ويتجاوزها أحيانا أخري، مجبرا ، يهدئ مركبته وهو يمر من بين قطيع اﻹبل المتربص به كل صباح. يلهث متعجلا ليصل في موعده ليتجنب غضب المديرة اللاهب والمشرئب كنصل . في هذه اللحظة -وهو يسرع - يتمني ان يستجيب الله له فيحبس الشمس في مرقدها قليلا كي يصل في الميعاد.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.