الرئيسية » » باب الدخول | كريم جخيور

باب الدخول | كريم جخيور

Written By Unknown on السبت، 20 يونيو 2015 | 7:13 م

باب الدخول
أعترف الآن لكم ..
على مهبط الماء
ولدتني أمي
فاغتسلت به
جنوباً طاهراً
وماءً فراتاً
ثاني الأحياء أنا
ورابع مولودٍ لها.
بثعالبها الماكرة
تضرب أشجار الكروم
وتدلق الشمسَ قبلَ شروقها
وتأخذها عذوقُ النخل
مآخذ عدة
تفضحها أشجارُ التوتِ
وألعاب "الطاق" و"بيت ابيتات"
طفولةٌ بثعالبها الماكرة
لها مناقب فوق سطوح الجيران
وأعمدة الكهرباء، وكنت دائماً أتلقى
تأنيب الجيران وشتائم أمي
التي كانت حاذقة بشتائمها،
مطوحة بسابع جدٍ
من أجدادي الوقحين.
أعترف الآن لكم ..
كنت أحفظ قراءة الصف الأول الابتدائي
قبل دخولي المتأخر للمدرسة
ومازلت أحفظ درسها الشهير
الدجاجة السوداء والكلب الصغير،
أما البعير الذي كنا نقرأه في كتاب القراءة وبأسلوبٍ ساخر
إلى متى يبقى البعير على التل؟
فقد جثم على ثلاثة عقود بكامل أوزارها.
أعترف الآن لكم ..
إنَّ أول كتاب اشتريته من خالص مالي
كان لـ "كيم إيل سونغ" وبسعر خمسين فلساً
من عربات بيع الكتب التي كانت منتشرة أواسط السبعينات
أكثر من عربات بيع البطيخ في أيامنا هذ.
ولا أدعي شيئاً في ذلك
فأنا لا أعرف من هو كيم إيل سونغ
إنها محاولة طفل جريء
أراد التشبه بالكبار
وكانت مجلة الكواكب هي أول مقتنياتي
من ساحة أم البروم، وقد احتفظت فيما بعد
بصور الممثلات وهن يرتدين تنورات قصار.
لا أريد أن أكذب..
أعترف الآن لكم ..
لم تكن في بيتنا مكتبة
وأخي الكبير ليس لديه حقيبة مدرسية
وكانت كتبه المبعثرة تحت السرير الحديدي الوحيد في
حجرتنا.
تفتح شهيتي للسرقة
كتاب المطالعة للصف الثاني المتوسط
أول سرقاتي
يقول فردريك إنجلز: التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل حلزوني
أما في بيتنا فقد حدثت الإعادة ولكن بشكل وراثي
فبعد عشرين عاماً كتبتُ ممجِّداً أطفالي..
أمجّد أطفالي
يذهبون إلى المدرسة
بلا أحذية
ودونما حقائب
سرقاتي مباركة كانت
فقد كنت أخرج في ساحة المدرسة
وفي طقس الاصطفاف الصباحي
وسط دهشة المعلمين لأقرأ
قصيدة الجواهري
حيّيت سفحك عن بُعد فحيّيني
يا دجلة الخير يا أم البساتين
أعترف الآن لكم ..
في الحيانية أو حي الحسين بعد احتراق المشير .......
وفي بيت يقبع في أخر صف من البيوت
الواطئة تلك التي تعصف بها الريح
والأمطار وحين تمر بها القطط تقفز مسرعة
تشكلت الكلمات
بسيطة كانت
نافرة وحالمة
فتعالي
نرحل في قافلة الماشين إلى سقر
كان ضجيج الرايات يحاصرني
أفرد راياتي الغضّة
لحمي مازال طرياً
لكني سأُثبّتُ في الأرض إلهاً
لا نأكله
حين نجوع
أعترف الآن لكم ..
المرأة التي كانت تمنحني
الضوء في العتمة
ماتت
ومات أبي
المحارب القديم
والمقامر الخاسر دائماً
قصائدي احترقت
وكانت تفوح برائحة بنت الجيران
المتاريس غصّت بحلق المدينة
والشبابيك فرّت محاذرة
أن تدوس الشظايا مفاتنها.
المدافع لا تهدأ
المدينة لا تهدأ
والشعر لا يهدأ
أعترف لكم الآن
أنا من جيل الحرب
والجوع والمنافي والسجون
أنا من جيل الحرب أيامنا
أما أحلامنا فقد كنا نخبّئها في قصائدنا
وتلقي بها المارّة
وأحياناً نهرّبها إلى حبيباتنا
وإلى أصدقائنا الفارّين
وكنت والقليل معي
نشمُّ رائحة البارود
أجساداً تحترق
ولافتات سود
إنَّ خيانة الشعر
هي إفساده
ولهذا
لهذا فقط
لم يكن لنا مقعدٌ معكم.


التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.