الرئيسية » » المقامة الصميدعية | كمال تاجا

المقامة الصميدعية | كمال تاجا

Written By Unknown on الثلاثاء، 23 يونيو 2015 | 7:30 م

المقامة الصميدعية


هذه هي بكل بساطة  سيرة ~~ حب أبي
ذلك لأن والدي المقتضب جداً
كعبوة أسرية حابسة أنفاسها ~ الناسفة
كمثال واضح ومفجع في آن معاً
لأمس الحاجة الأسرية
والذي هو فقط عبارة
عن كتلة وفاء ضخمة
لإنسان عادي جداً
وبسيط للغاية ~

وغاية بالمتانة الأبوية
ليبدو كأب مثالي
وبحجم عائلي أيضاً
يفور  ويغلي من الانضغاط الأسري
كعبوة فشة خلق ~ سفن أب ~ بطق الزبد من أعلى رأسه
ولذلك هو دائماً على وشك الانفجار التلقائي

وهو الواضح الجلي
المقروء وعلى الوجهين
والخالي قلبه من أي غل
غش عفوي
أو خلل  قسوة مفرطة
ولو بشكل عرضي
ولاحتى بالمصادفة البحتة

وهو أيضا براء من كل أثم
أو عدوان ~
ليبدو  كحزن يمشي في موكب جنازة عوز
و يطأطأ في كل مآتم عزاء  ~ من الجوع
و يدخل إلى ضريح البيت
ببالغ الأسى والحرمان

ويعاني مايعاني من صفاء القلب
ونقاء السريرة
ليبدوعلى ماهو عليه
ينظف ملامس تعامله مع الناس
بفرشاة العفة  التامة
وكي لا تلحق به أي شائبة ~ عدوان

وكلما تضبطه تلقاه
متلبساً بالتقوى

لأن أبي الساعي إلى فعل الخير دائما
وفاعله على الدوام
والذي تتهدج عواطفه
ويتوقف   نطقه لتطلع اللعثمة  من فمه
 المذوبة بالطيبة الحسنة
وتثور ثائرته  ~ وهو يعظ
عظات طويلة عن البر الأسري
وعن طلب الصلاح والتقوى

ذاك الذي تدمع عينيه
ويتلعثم ويسيل لعابه
وهو يقهقه سعادة وهناءً
وكل شيء من وجهة نظره
مفرح وبهيج

  لم ينشب في وجهه
مخلب ظلم
ولم تنغزه حربة اضطهاد
ولم يركل لذنب الحرية

لا .. ولم يصفع  على خده
ليتلقى لطمة
صفعة سوء المعاملة
ومن قبضة السلطة الجائرة

ذلك لأنه مواطن مثالي ~ وبحق
ملتزم ونظامي
يتبع الإرشادات الأمنية
ويفند إجراءات الحسم
عن تأخر الوعودالكاذبة
وإلى حين

وينفذ كل التحذيرات الاستهلاكية
من نقص تموين
أوحجر مادة أساسية
أو غلاء أسعار
أو انقطاع كهرباء
أو نضوب ماء
يرجئه لسبب ما وجيه

ويدل على جشع الاستهلاك
وبأمانة منقطعة النظير

وبصقه الإهانة في وجهه
لا تعنيه مطلقاً
ولا توقد نار غضبه
فهي قطعاً موجهة إلى أحد غيره
دون شك

ويامن يراه يهش ويبش
وهو يمتدح أساليب القمع
على أنها حرص على سلامة المواطن
وتعزيز لسلامة أمنه
ويطبقها على أسرته
في أمانة منقطعة النظير

وهو يبرر نقص التموين
بشدة الطلب على الحاجيات
الناس نهمون لا يشبعون
ولا يكتفون
لماذا كل هذا الشره
كسرة خبز جافة مقدده تكفي
لأن تقيم بها أودك
وعلى العشاء يدبرها ربك
يعني بتنام جوعان

ولذلك كان أبي لا ينسى كل يوم
في أن يعظ أولاده الإحدى عشر
عظات طويلة وعريضة
عن حُسن التدبير
للإرشادات الاستهلاكية

ويبدأها وينهيها بعبارته الفولاذية
والتي يوجهها نحوي لأنني أكبر أبناؤه
ليكبح جماح شهيتي فقط
وأنا أتناول الطعام
وكأنني ألتهم كل شيء
كل طعام الناس جميعا  والعباد
لقمة شرهة
من وجهة نظره
وأملأ بها جوفي
صائحاً في وجهي
عرق السقف
الأكل للحمير
الأكل للدواب
الأجترار للمربوطين على معلف الشقاء

ويستصرخ بقية أفراد الأسرة منبهاً ومحذراً
لاتشعلوا الأضواء الكهربائية
في كل مكان في البيت
وكلما وجدتم لمبة مضاءة أطفئوها
الله لعن المبذر
وإن المبذرين كانوا إخوان الشياطين

ولكنه قبل العيد لا ينسى واجبه إطلاقا
فيصحبنا إلى سوق البالة أنا وأخوتي
ليشتري لنا قمصان  وبنطالين وأحذية
دون أن يكون لنا رأي بموديلاتهم
ويؤكد لكل واحد منا  وعلى حدة ~ على أنها تقريبا جديدة
ولقطة لا تتكرر
وأن مسألة كسوتنا
هي صفقه رابحة دون شك
وهذا ما تأكد لي لاحقاً
من أنني التلميذ النجيب بين كل طلاب الثانوية
الذي أرتدي قميصاً وبنطالاً و كنزة  وحذاء بال  لا تتبدل
طوال العام الدراسي

ولذلك كان والدي  يفرجي الناس على حسن هندامي
وعلى براعته أيضاً في اقتناء
هذه الملابس الفاخرة
ويطلب مني أن انفتل دائرا
كعارض أزياء ملابس مستعملة
خدع بها أبي البائع الغشيم
الذي لم يعرف قيمتها الحقيقية
واقتناها هكذا بسعر رخيص كذا وكذا

والأخوة الصبيان كل على حدة
ينتظر بنطال أخوه الأكبر منه
عندما يصغر عليه ليصبح ملكه
وكذلك الحذاء والقميص
بعد إعادة تأهيلهما
برتق الوالدة
وينطبق كل ذلك الرفاه
على الأخوات البنات
وكأنهن جميعهن يملكن الثوب الوحيد
ويتقاسمن ارتدائه
وبحرص شديد
وبأخذن مواعيد مسبقة
وفي أعمار متفق عليها
ويعاملوه  وبإجلال منقطع النظير
كثوب جديد لحفلة عيد

والأم المسكينة تطبخ حلة مجدرة
بنصف أوقية لحمة
وعلى مبدأ بدبرها ربك
وشو ماله الفتوش
الذي يجمع كل بقايا الخضار
ونفايات الزيتون والزيت
وكسرات الخبز الجافة جميعها
ومع كل البهارات
التي ينكهها الخل
ونغطس فيها عفص ومغص

ونحن الأولاد جميعا
إذا شفنا سيارة مش ولابد
بينمزع عقلنا
وبنصفر ونقول يالطيف
لأنه موشايفين شيء من كماليات هذا العز أبداً
ونحملق بتلك النظرة المشدوهة
على ثواب الآخرة
الذي سيجازينا به خالق الخلق
ولو بدولاب منها
ويسيل لعابنا يسيل
بانتظار حلم اليوم الآخر
الذي لا نعرف
أذا كان بدو ينصفنا
ولا .... لأ ..
كحالتنا المعترة في هذه الدنيا
***
وللحديث تتمة عن الأكلات الشامية الشهية
شوربة بكل أنواعها
بتصير فتة كمان
وبنتخلص من الخبز الجربان
بالإضافة إلى المجدرة بزيت
والفول والمسبحة والفتات
والمقالي بأنواعها
وكي لا ننسى أيضا فتة الخبز اليابس بالشاي
التي تصبح مبلولة وسالكة بالحلق
شو فيها يا ناس ..
وهو طعام  الفطور دائما وأبداً
وكنا كمان نأكل خبزة يابسة
بعد بللها بالماء
ونلكها بأي شيء نجده
من الرفاهية الطائلة من المنكهات
التي في متناول أيدي أذواقنا المرهفة
ويجري كل ذلك الرخاء بعدما نفاذ السكر والشاي
الذي كنا نعيد عليه الدور
وفي أشواط عدة
وبانتظار موعد قبض الر اتب القادم

وينام تسعة أولاد في غرفة واحدة
احتال عليها الوالد الحريص
في جعل السرير من ثلاثة طوابق
وفي كل طبقة تنام أختين
ولكن بالاتجاه المعاكس
وهذا للتنويه وأخذ العلم
حدث قبل فيصل القاسم  وبزمن طويل

ويتباهى بإنجازه الفريد هذا
وأمام كل الجيران المحبطين مثله
وكأنه أشاد بناية مثل ناطحة سحاب
الامبير ستيت حقيقية
وغير مسبوقة
ليتعامل مع ورطته المخيبة للآمال
وبالاحتيال عليها
بهذا الهزء المضحك المبكي

والأب يراقب بقايا الصحون
ويتابع رحلة الفتات
حتى  سلة القمامة
أي إسراف تبذير
وكل يوم يمضي من أول الشهر
أسوأ من الذي مضى
*
ويهمهم محذرا وهو يحملق ببقايا السفرة
المحافظة على فتات الخبز .. الهراهير
وحفظ النعمة
الذي يلتقطها نثرة تلوالنثرة من حول
مأدبة الطعام الفاخرة
ويقبلها وهو يتمتم بالدعاء
ويضعها على جبهته
كما لو أنه تأبط خيراً
وعيونه الزائغة من الرعب
وهي تدور في دوامة الهذيان
الذي يوجهه نحونا محذرا
لينبهنا و كأننا على وشك
أن نفقد هذه اللقمة من الخبز الذي
حبانا بها الله
تفضلا ودون منة
ونحن بالطبع ما نستاهل
هذا العطاء المزدهر
وبالخير الوفير
على هذه النعمة  القصوى ~ و التي كنا نستجديها
من على واجهات محلات النعيم
للفرجة فقط
ومن التسول بالنظر
وبالاستجداء بالحملقة
و باستجرار  العطف من كل محط أنظار
باندهاش مفجوع اللب
وعلى الفاضي
وبدس أصابع النظر في جيوب المترفين
ونقضيها في التلمظ على الفرحة المحبطة
على هوانا المتضور من الجوع المستكين

والأب المسكين يعتقد جازماً
أن أبنه البكر قادرعلى المساهمة
في كسب لقمة العيش
وليس فماً مفتوحاً فقط
لذلك كان يصرف عليه الساعات الطوال
كل يوم
في محاولة إقناعه
أنه مهما درس
مهما اجتهد وحصّل من العلم إلخ
سيظل حماراً
وإنه من البديهي أن الحمار
لايمكن أن يصير شخصا ما مهما
في يوم من الأيام
كل ذلك لكي يترك الدراسة للنجباء
لا للأغبياء مثله
وليعمل ويعيل مع الأب الأسرة
والتي كان الوالد يحملها
على عاتقه
غير قادرعلى أن يقيم أودها مطلقاً

وهو في كل صباح ينزل إلى السوق  ليتبضع
ويبحث عن الخضار المتغضنة ~ المش ولا بد
وقبل أن تعطب
ويفاصل فيها على أنها  صفقة رابحة
وبأبخس الأثمان على حد زعمه
ويأتي بهذا الحمل إلى الوالدة المسكينة
التي تبذل كل مابوسعها وبالكاد
لتحصل على طريقة مناسبة
لجمع الخضار وطهي الطعام
لتقدمه للأولاد على مأدبة طعام
عصر حديث زاحف على بطنه في وجه الحضارة 
و على مائدة مفتوحة للغذاء
لننغمس فيها جميعاً فتة ومرق
طبخة ما عويصة
سمها ما شئت
النتيجة الحاصلة واحدة لا تتبدل
إنها طعام الجياع
وليمة من نوع غريب وعجيب
ثلاثة أرباعها من الخبز الأسمر الرخيص
والباقي مرق وقليل من الإدام
ولكل حصته صحن صغير مثالي
وعلى الماشي
حتى لايضيع على أي واحد منهم
ذرة من مرق

والمشكلة العويصة هي التوفيق
بين الراتب والمصروف
هذه هي خلاصة النشرة اليومية
للأسى الأسري العام

سأستدين من أخي ثمن فاتورة الكهرباء
الله يعيني عليكم وعلى مصروف الكهرباء
وها قد مضى على فاتورة الماء ستة أشهر
ولم أسددها

ولا يستطيع الابن الضال هذا
في أن يظل بالبيت
تحت أنظار والده
لأن كل عذابات هذا الأب
المكسور الخاطر
وانكساراته المهولة
ستتحول إلى لعنات مطوله
وسيصب جام غضبه عليه

ولذلك كان في كل صباح يوقظني من النوم 
موبخا متوعدا
وبكافة أشكال السباب المقذع
ليثنيني عن عزمي في متابعة الدراسة
ولتأخذ المتارسة العصبية بيني وبينه إلى أبعد حد
ولا ينسى أن ينهي تحذيراته المتوعدة
بعبارته الفولاذية القاطعة
بطردي من البيت  كل يوم
وإلى الأبد
طوال عشرة أعوام متواصلة
إلخ ...

وكل ذلك الهوان العام
ومن الإحساس بالتقزز  من لزوم تسديد قروض الدين العام 
للمجتمع المدني 
وبعد كل هذا الغبن العوز ~ من التقهقر العالمي
الذي نسب ألي ~ دائماً 
من الشعور بمنتهى الاجحاف  ~
وألبسوني التهمة
لأنني ماعم بفهم
كيف صرت حمار
وماعم اقتنع أني كديش
وعم بدرس بكالوريا

ياحرام كم صرف عليّ أبي
الساعات الطوال ليثنيني عن الدراسة
وليقنعني بأنني حمار
ولأ نني حمار
ماكنت أقتنع أنو أنا حمار
وشو بدي أتذكر لأ تذكر
يا سفرجل.




التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.